هل ما زال مجال NFT مغريًا للاستثمار؟
في هذا المقال سنتحدث عن أكثر تقنيات البلوكتشين المثيرة للجدل، والتي تم إساءة فهمها بشكل كبير منذ ظهورها. سنحاول تصحيح بعض المفاهيم حول تقنية الرموز غير القابلة للاستبدال "NFTs"، وأهم مجالات استخدامها.
ما هي الرموز غير القابلة للاستبدال NFTs؟
معظم مستثمري العملات الرقمية ليس لديهم فكرة عن تقنية NFT سوى الصور الفنية رديئة الجودة والذوق التي انتشرت في بداية ظهور هذا المجال، لكن في الحقيقة هذه الصورة ليست هي تقنية NFT، وإنما هي أحد استخدامات هذه التقنية، وهي إنشاء مجموعة من الرسومات “NFT Collection“ ذات خصائص معينة، تقوم فكرتها في الأساس على فكرة ما يتبناها مجتمع من المستخدمين على الويب.
لهذا السبب لا تستخدم هذه التقنية أشهر معيار لإنشاء الرموز على البلوكتشين، وهو معيار الإيثريوم ERC-20، وهو المعيار الذي تعتمد عليه كل عملات شبكة الإيثريوم، وتعمل به معظم الشبكات الأخرى، أو تمتلك معيار مشابه.
المعيار باختصار هو مجموعة من القواعد التي تحكم كيفية إنشاء أصل ما على الشبكة، وطريقة التعامل معه، والصلاحيات التي يمتلكها الأصل وغير ذلك. معيار ERC-20 هو معيار للرموز القابلة للاستبدال “Fungible Tokens“، ولهذا تستخدمه العملات الرقمية التي يتم إصدارها على بلوكتشين الإيثريوم مثل عملة Chainlink على سبيل المثال. فكل عملة LINK يمكن استبدالها بعملة LINK أخرى لتساوي القيمة ووحدة الخصائص.
معيار ERC-20 كان مفيدًا لإطلاق العملات الرقمية على الإيثريوم، لكون وحدات كل عملة متطابقة، لا تتميز واحدة عن الأخرى، لكن هذا المعيار كان محدودًا على هذا الاستخدام فقط، وكانت هناك حاجة إلى معيار آخر لإطلاق رموز فريدة الصفات والخصائص على الإيثريوم. هنا تم تطوير معيار ERC-721.
هذا المعيار سمح للمطورين بإطلاق رموز فريدة الخصائص والصفات على شبكة الإيثريوم، ولكن في نفس الوقت يحكمها عقد ذكي واحد، وهو شيء لم يكن متاحًا في معيار ERC-20، ويمكننا رؤية ذلك بوضوح في مجموعات NFTs التي تضم 10,000 صورة أو أكثر. كل صورة تختلف في التصميم والعناصر وخلاف ذلك عن الصور الأخرى، لكن كل الصور تشترك في كونها ضمن مجموعة واحدة، يحكمها عقد ذكي واحد.
لهذا سُميت هذه الرموز بأنها غير قابلة للاستبدال “Non-Fungible Token“، لأن كل رمز ليس مثل الآخر، كما هو الحال في العملات الرقمية، ولكن كل رمز له خصائصه ومميزاته الفريدة.
تطور تقنية Non-Fungible Tokens
مع ظهور معيار ERC-721 وحدوث إقبال ضخم على المجال، قامت مشاريع البلوكتشين الأخرى بتبني هذه التقنية، وقامت بتطوير معايير أخرى تتعامل مع هذا النوع من الرموز بشكل مختلف، وتوفر لها إمكانيات وقدرات لم تكن متوفرة في ذاك المعيار. حتى الإيثريوم نفسه قام بتطوير معيار آخر ERC-1155 والذي يسمح بإطلاق الرموز القابلة وغير القابلة للاستبدال عبر عقد ذكي واحد.
مشروع مثل مشروع Sui قام بتطوير تقنيات خاصّة لهذه الرموز تسمح بشكل افتراضي بدعم تداول هذه الرموز من نظير إلى نظير، بالإضافة إلى دعم عوائد الملكية الفكرية “Royalties“، وكذلك توفير ديناميكية لتغير حالة الرمز عند حدوث شرط معين، مع دعم لتخزين هذه الرموز على البلوكتشين نفسها ومميزات أخرى.
هذا التطور في تقنية NFT فتح الباب لظهور الكثير من الاستخدامات التي لم تكن تدعمها مشاريع البلوكتشين، وأدى لظهور الكثير من المشاريع التي تحاول بناء تطبيقات تدعم هذه الاستخدامات. لهذا أصبح من غير المقبول أن يستمر مجتمع العملات الرقمية في حصر تقنية NFT في هذه الصور التافهة!!!
في هذا المقال إن شاء الله سأقوم بالحديث عن بعض مجالات استخدام هذه التقنية، وكيف يمكن الاستفادة منها لتوفير تجربة استخدام أفضل، ومزايا أكثر في العديد من مجالات الاستخدام التي ترتبط في نفس الوقت بالكثير من مشاريع العملات الرقمية الأخرى.
ملاحظة:
سيتم ذكر بعض المشاريع في الفقرات القادمة فقط لتوضيح الفكرة التي أناقشها وعرض نموذج لكيف يتم تطبيقها. وهذا لا يعني دعم مباشر أو نصيحة استثمارية في هذه المشاريع وعملاتها.
1) رقمنة الأصول المادية
مجال رقمنة أصول العالم المادي “Real-World Asset Tokenization“ هو أحد أكثر المجالات التي جذبت الأنظار وكذلك الاستثمارات في الأشهر الأخيرة، مع دخول الكثير من المؤسسات المالية وغير المالية إلى ساحة العملات الرقمية، والموافقة على صناديق تداول المؤشرات للبتكوين والإيثريوم وغيره من الأصول.
أبرز مثال على ذلك هي شركة BlackRock أكبر شركة للاستثمار وإدارة الأصول في العالم، والتي أطلقت صندوق رقمي للسيولة على البلوكتشين (BlackRock USD Institutional Digital Liquidity Fund (BUIDL))، وهو يسمح للمشاركين بالحصول على عائد على أصولهم من الدولار بالحصول على العملة المستقرّة الخاصّة بالصندوق على البلوكتشين. قيمة الصندوق الآن تجاوزت نصف مليار دولار.
الآن؛ هناك قطاعات ضخمة من الأصول المادّية التي يمكن رقمنتها على البلوكتشين، وهنا لا نعني رقمنة الأصل نفسه بالضرورة، ولكن رقمنة ملكية هذا الأصل. هذا الأمر يفتح الباب لاستخدامات وسيولة ضخمة يمكن أن تتدفق على مجال العملات الرقمية. لنأخذ مثالًا.
لديك ساعة Rolex باهظة الثمن لا تريد بيعها، ولكن تريد الاستفادة منها للحصول على سيولة للتداول أو لسداد دين على وجه السرعة أو غير ذلك. يمكنك القيام بذلك عبر البلوكتشين.
الفكرة باختصار هي وجود بروتوكول هجين يقوم بدور الوسيط. أنت تقوم بإرسال الأصل المادي إليه ليتم فحصه والتأكد من الحالة الخاصّة به ومواصفاته، ثم يقوم بمنحك رمز غير قابل للاستبدال “NFT“. هذا الرمز بعد ذلك يمكن استخدامه تمامًا كما يمكن استخدام الأصل ذاته. فيمكن استخدامه كوثيقة لتأكيد الملكية، ضمان للاقتراض، للبيع، أو استرداد الأصل بحرق الرمز وغير ذلك من الأمور.
أصل مثل الساعات الفارهة عبارة عن سيولة ضخمة غير مستغلّة أو مستخدمة نتيجة لعدم وجود وسيلة لذلك، لكن بهذه الطريقة يمكن فتح الباب أمام تسييل هذا الأصل وغيره من الأصول بطريقة آمنة وموثوقة وسهلة الاستخدام.
هناك ترابط مباشر بين مجال رقمنة الأصول المادية “RWA“ وبين تقنية الرموز غير القابلة للاستبدال “NFT“، وزيادة الاهتمام والنشاط في هذا المجال سيؤدي حتمًا إلى زيادة استخدام تقنية NFT.
من أبرز المشاريع التي تحاول تطبيق هذه الفكرة مشروع 4K Protocol وكذلك مشروع Kettle Finance وغيرهما.
2) أسواق تمويل لا مركزي للرموز
هذه النقطة مرتبطة بالنقطة السابقة، لكنها مجال مختلف، وفكرة مختلفة من حيث التطبيق وكيفية الاستفادة من رموز الأصول المادية. الفكرة هنا أنه كما تم رقمنة الدولار بإصدار العملات المستقرّة؛ وتم بناء تطبيقات للاستفادة من هذه الرموز، يمكن أيضًا بناء تطبيقات للاستفادة من رقمنة الأصول المادية المتمثلة في رموز موجودة على البلوكتشين.
كما توجد تطبيقات تمويل لا مركزي مثل AAVE | Curve وغيرها تسمح للمستخدمين باستخدام أصول رقمية مثل البتكوين والإيثريوم من أجل اقتراض الدولار الرقمي، يمكن أن يكون لدينا استخدام مشابه في عالم الرموز غير القابلة للاستبدال، حيث يُسمح للمستخدم باستعمال الرمز الخاصّ به؛ والذي يمتلك قيمة توازي قيمة الأصل المادي في الحقيقة؛ كضمان لاقتراض عملات مستقرّة.
هناك مشاريع موجودة بالفعل في هذا المجال مثل Centrifuge | Tangible وغيرهما، وهذه المشاريع تسمح للمستخدمين بالاستفادة من أصولهم المادية للحصول على سيولة دون حاجة إلى بيع هذه الأصول أو رهنها بالطريقة التقليدية، والتي غالبًا ما تكون تكلفتها أعلى من تكلفة القيام بها على البلوكتشين، ولا توفر نفس المميزات.
3) أسواق تداول لا مركزي للرموز
منذ قرون طويلة، وعندما بدأ الإنسان بالتعرف على مفهوم تداول الأصول وكيفية القيام به وتنظيمه، كانت واحدة من أكثر التطورات في هذا المجال هي كيفية تداول السلع المادية التي لا يمكن تداولها. مثلًا المعادن مثل الذهب والفضة والنحاس، البترول والغاز والفحم، وحتى السلع مثل القمح والكاكاو وغير ذلك.
هذا التداول له أكثر من طريقة، إما من خلال تداول أسهم الشركات المنخرطة في نوع معين من هذه السلع، أو من خلال صندوق المؤشرات المتداولة أو من خلال العقود المستقبلية أو غير ذلك.
الفكرة هنا أن هذا التطور سمح بتداول أصول لم تكن قابلة للتداول من قبل، لكن هذا التطور لم يكن كافيًا ليشمل كافّة الأصول التي يمكن تداولها، وهنا يأتي دور تقنيات البلوكتشين والرموز غير القابلة للاستبدال.
مع ظهور مجال الـ NFT وبداية استخدام هذه التقنية بشكل سطحي في إنشاء نوع متدني من الرسومات الفنّية، ظهرت في نفس الوقت لإمكانية تداول هذه الرموز، والتي لا تمثل قيمة في حد ذاتها إلا وفقًا لتقييم البائع والمشتري، وظهرت أسواق لتداول هذه الرموز مثل OpenSea | LooksRare | Blurوغيرها.
الرموز التي تمثل صك ملكية لأصل مادي يمكن أن يتم تداولها بنفس الطريقة، ولكن الاختلاف الجوهري أن هذه الأصول يكون لها قيمة ذاتية مادية تخضع لسوق هذا الأصل، وليس مجرد قيم وهمية تخضع لتقييمات أفراد؛ كما هي الحالة في أسواق تداول رموز الـ NFT الفنية حاليًا.
بالتالي؛ يمكن من خلال تقنية NFT تحويل الكثير من أصول العالم المادي كالعقارات، السيارات، الساعات الباهظة، التحف والأنتيكات وغير ذلك من الأصول المادية إلى أصول قابلة للتداول الافتراضي السريع كما هو الحال مع السلع كالذهب والفضة، وكل ذلك بدون عناء الحاجة إلى امتلاك الأصل نفسه أو التعامل مع بشكل مباشر.
من أبرز التطبيقات على هذه الفكرة مشروع Polytrade والذي يسمح بتداول الأصول المادية بهذه الطريقة، وأيضًا مشروع Courtyard المتخصص في رقمنة بطاقات الألعاب الورقية وتحويل إلى رموز يمكن بيعها وشرائها وتداولها. أيضًا مشروع NFTPerp وهو مشروع لتداول العقود المستقبلية لمجموعات الـ NFT.
4) تجزئة الرموز غير القابلة للاستبدال
تحدثنا في النقاط السابقة عن مجموعة من المجالات المميزة التي يمكنها الاستفادة من ابتكار الرموز غير القابلة للاستبدال، وذكرنا أن تداول هذه الرموز واستخدامها في مجال التمويل اللا مركزي من أهم هذه المجالات، لكن ماذا إذا أرادنا تعزيز هذه الاستفادة.
تقنية الرموز غير القابلة للاستبدال المجزّئة “Fractional NFTs“ هي امتداد لهذه النقاط، وامتداد لفكرة تداول الأصول المادية. فكما يمكنك امتلاك جزء من السهم؛ ما الذي يمنعك من امتلاك جزء من NFT تُمثل صك ملكية لأصلٍ ما؟
تجزئة الرموز بهذه الطريقة تعني إمكانية زيادة قيمة الأصل من خلال السماح لعدد من المتداولين بالمشاركة في شرائه، خفض سعر الشراء يرفع عدد المتداولين على الأصل، وأيضًا تقوم بزيادة السيولة المتوفرة في أسواق تداول الرموز؛ نظرًا لأنها تجذب المستثمرين ذوي رأس المال المنخفض، وغير ذلك من الفوائد.
هذه الطريقة تشبه قيام الشركات بتنفيذ عملية تجزئة الأسهم “Stock Split“، وهي عملية تسمح للشركة بزيادة عدد الأسهم دون خفض قيمة السهم الفعلية، ولكن تقوم الشركة بذلك من أجل خفض قيمة السهم الاسمية، وهو ما يجعل السهم مناسبًا لفئات أكبر من صغار المستثمرين للاستثمار فيه.
فكرة تجزئة الرموز هي فكرة واعدة تدعم النمط المتزايد لتحويل ملكية الكثير من الأصول المادية إلى رموز رقمية يمكن تداولها كما يتم تداول الأصول الرقمية.
هناك الكثير من المشاريع التي تحاول تطبيق هذه الفكرة مثل مشروع Ommniverse وكذلك مشروع FractonX وغيرهما.
5) امتلاك الأصول داخل ألعاب البلوكتشين
مجال ألعاب البلوكتشين يُعد أحد المجالات التي خيّبت الكثير من الآمال، ولم تقدم ما كان منتظرًا منها، بالرغم من ضخ صناديق الاستثمار لمئات الملايين من الدولارات لتطوير هذا المجال. على الرغم من ذلك؛ ما زالت أرى أن هذا المجال لن يندثر، وسيكون محور اهتمام كبير في مجال العملات الرقمية مستقبلًا، وذلك لأسباب سأشرحها إن شاء الله في مقالٍ منفصل.
ملكية أصول الألعاب هي واحدة من الكثير من المشاكل التي تحاول ألعاب البلوكتشين حلّها. فاللاعبون لا يمتلكون أي عنصر من عناصر الألعاب، ولا حتى الألعاب نفسها حتى لو قاموا بدفع ثمن نسخة اللعبة بالكامل.
السيء في هذه النقطة أن اللاعبين الذين ينفقون الكثير من الأموال على شراء مقتنيات داخل اللعبة لتحسين تجربة اللعبة أو لتطوير شخصياتهم داخل اللعبة أو لأسباب أخرى؛ يفقدون كل هذه المقتنيات والأموال التي أنفقوها إذا تعرضوا للحظر من اللعبة، أو حتى إذا تعرضوا للحظر على مستوى منصّة اللعبة.
على سبيل المثال؛ في العام الماضي قامت منصة Steam بحظر مجموعة من حسابات لعبة CS:GO، وكانت هذه الحسابات تمتلك مقتنيات داخل اللعبة بقيمة تخطت 2 مليون دولار. كل هذه العناصر والمقتنيات أصبحت غير قابلة للاستخدام للأبد، وكذلك الأموال التي تم إنفاقها للحصول على هذه المقتنيات.
لا يبدو من العدل أن يفقد اللاعب مقتنياته التي حصل عليها إما بالشراء أو بقضاء ساعات طويلة داخل اللعبة؛ حتى إذا خالف أحد شروط الاستخدام الخاصّة باللعبة أو المنصة. هذه المشكلة يمكن حلّها بتوفير إمكانية التملك الحقيقي لهذه المقتنيات عبر تحويلها إلى NFTs لتصبح ملكيتها وإمكانية التحكم فيها حصرًا على اللاعب صاحب المحفظة فقط.
التملك الحقيقي للأصول هو جزء لا يتجزأ من مفهوم ألعاب البلوكتشين، ويرتبط به ارتباطًا وثيقًا. هذا يعني أن زيادة الاهتمام والنشاط في قسم الألعاب يؤدي بشكل تلقائي إلى ارتفاع حجم النشاط والاستخدام لتقنيات NFT.
كما ذكرنا في مراجعة مشروع Sui أن مجال الألعاب والميتافيرس هو أحد أكثر المجالات التي حصلت على تمويل من صناديق الاستثمار، وهذا المجال تحديدًا يأتي دائمًا في قائمة أكثر مجالات العملات الرقمية حصولًا على استثمارات.
عدم وجود مردود جيد من مشاريع هذا المجال له الكثير من الأسباب التي ليس هذا موضع ذكرها، ولكن يمكنني أن أكتفي بالقول بأن مشاريع البلوكتشين نفسها كانت غير مؤهلة للتعامل مع هذا الاستخدام، لكن مع ظهور مشاريع مثل Aptos | Sui | Sei من المشاريع التي تمتلك القدرة على التعامل مع هذا النوع من الاستخدام؛ قد نرى مردودًا أقوى لمشاريع ألعاب البلوكتشين؛ وسيلحق به مجال الرموز غير القابلة للاستبدال.
من مميزات هذا الأمر أيضًا إمكانية خلق سوق للمصممين لإنشاء المقتنيات التي يمكن للاعبين شراؤها واستخدامها داخل الألعاب، وبناء أسواق لتداول هذه الأصول. من الألعاب التي نجحت في تطبيق هذه الأفكار Shrapnel | Gods Unchained وغيرهما.
6) التحقق من موثوقية المحتوى
مع التطور الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة؛ تطورت أيضًا تقنيات التزييف العميق، والتي من خلالها يمكن إنشاء محتوى مزيف، سواءً صور أو مقاطع فيديو أو صوت بدقة قد يكون من المستحيل على الشخص العادي تمييز المحتوى المزيف من غير المزيف.
هنا يظهر أحد أهم الاستخدامات لتقنية NFT وهي القدرة على تضمين البيانات الوصفية مع المحتوى المرئي أو المسموع بشكل دائم غير قابل للتحريف أو الإزالة، وبفضل ميزة عدم القابلية للتعديل التي تقدمها تقنية البلوكتشين؛ بوضع هذا الرمز على البلوكتشين يمكن التأكد للأبد من أصالة المحتوى بالرجوع إلى مصدره على البلوكتشين.
لا أعتقد أننا يمكننا حصر كم عدد المجالات التي يكون فيها التحقق من موثوقية المحتوى أمرًا لا غنى عنه. يكفي فقط النظر إلى حجم المحتوى المزيف المنتشر حاليًا على وسائل الإعلام الأمريكية للتأثير على الانتخابات القادمة.
في ظلّ التطور المستمر في تقنيات التزييف العميق؛ أكاد أجزم أن هناك مجالات ستدخلها تقنيات توثيق المحتوى والتأكد من أصالته؛ وأهمها مواقع التواصل الاجتماعي. وقتها؛ أعتقد أن تقنية NFT سيكون لها دور هام جدًا.
أحد أبرز المشاريع في هذا القسم تحديدًا هو مشروع Numbers Protocol، وهذا المشروع سبق وتحدثت عنه بشكل مفصّل، ومدى أهمية التقنيات التي يقدمها.
المشروع أيضًا ينشط في مجالات عدّة مرتبطة بتقنيات الـ NFT، ومنها مجال إثبات حقوق الملكية الفكرية الذي سنتحدث عنه في الفقرة التالية، بالإضافة إلى مجال التعرف على المحتوى الموّلد باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وغير ذلك من المجالات.
7) إثبات حقوق الملكية الفكرية
هذه النقطة مرتبطة بالنقطة السابقة، لكن إثبات وتوثيق حقوق الملكية الفكرية مجال استخدام قائم بذاته، وله سوق ضخم يمكن أن تستفيد منه مشاريع الـ NFT. معظم المحتوى الذي يتم نشره على الإنترنت يكون من شبه المستحيل تتبعه للتوصل إلى المنشئ الحقيقي لهذا المحتوى.
هذه مشكلة هامّة لأصحاب المحتوى أنفسهم، خصوصًا من يعتمد على العيش من إنشاء المحتوى، مثل الفنانين والمصممين وغيرهم، حيث يسبب استخدام المحتوى الخاصّ بهم دون الحصول على رخصة، أو دفع تكلفة استخدام هذا المحتوى إلى خسارة مادية مباشرة.
هذه مشكلة لم يتم إيجاد حلول فعّالة لها؛ على الرغم من أنها تكلف عشرات المليارات من الدولارات خسائر سنوية لمنشئي المحتوي، وتؤثر على استمرارهم في إنشاء المزيد من المحتوى، بالإضافة إلى وجود مشاكل في الاستشهاد بمصدر المحتوى في حالة عدم معرفة المصدر الحقيقي.
هنا يأتي دور تقنية NFT لحل هذه المشاكل. إذا عدنا للنقطة السابقة سنجد أنه بتحويل المحتوى إلى رمز رقمي يمكن فيه تخزين كل بيانات هذا المحتوى بشكل دائم غير قابل للتعديل على البلوكتشين، فهذا يؤدي إلى سهولة التحقق من أصالة هذا المحتوى؛ وفي نفس الوقت يسمح لنا بإثبات حقوق الملكية من خلال تضمين بيانات منشئ المحتوى مع البيانات الوصفية للرمز.
إنشاء المحتوى بهذه الطريقة يسمح لمنشئ المحتوى بالاحتفاظ بحقوق الملكية الفكرية لمحتواه، سهولة إثبات هذه الملكية، الاستفادة ماديًا من خلال بيع المحتوى أو ترخيصه للاستخدام، السماح بسهولة الوصول لمصدر المحتوى في حالة الحاجة للاستشهاد بمصدر المحتوى الأصلي.
أبرز استخدام رأيته لهذه النقطة هو قيام شرك IPwe بالإعلان عن سكّ 25 مليون براءة اختراع على شكل NFTs على شبكة Casper، من أجل تسهيل تداول وترخيص هذه البراءات وتحقيق أقصى استفادة مادية منها.
هناك مشاريع تنشط في هذا المجال مثل مشروع Numbers Protocol الذي تحدثنا عنه في الفقرة السابقة، بالإضافة إلى مشروع Crossmint وغيرهما.
8) التجارة الإلكترونية اللا مركزية
مجال التجارة الإلكترونية يعد أحد أضخم المجالات من حيث القيمة السوقية وكذلك عدد المستخدمين، وبالرغم من ذلك؛ يوجد عدد قليل من الشركات التي تسيطر على النسبة العظمى من المبيعات في هذا المجال، وهذا الاحتكار يؤدي بدوره إلى مشاكل أخرى مثل قتل المنافسة، عدم وجود سوق حرة يؤدي لعدم حصول المستخدم على أفضل سعر مقابل تكلفة، زيادة الرسوم، صعوبة التنافس للبائعين وغير ذلك من المشاكل.
إذا نجحت فكرة إنشاء نظام نقدي لا مركزي تسمح للمستخدمين بتبادل القيمة بدون حاجة إلى وسيط، وبدون إمكانية حظر هذه المعاملات أو إيقافها، فما الذي يمنع من تطبيق نفس الأفكار في جانب التجارة الإلكترونية، والسماح للمستخدمين بتبادل السلع بالبيع والشراء بشكل لا مركزي لا يحتاج إلى إذن للاستخدام؟
تقنيات البلوكتشين تطورت بشكل هائل خلال السنوات الأخيرة، وأصبح لدينا بنية تحتية قوية تسمح بكافّة أنواع الاستخدامات التي تحدث على الويب العادي “WEB 2.0“، بالإضافة إلى وجود أنظمة مدفوعات متطورة ولا مركزية تنافس وسائل الدفع التقليدية مثل باي بال وفيزا وماستركارد وغيرها.
مفهوم التجارة الإلكترونية اللا مركزية ظهر منذ فترة قصيرة، وأحد الركائز التي يقوم عليها هذا المفهوم هو ترميز الأصول المادية على شكل NFT والسماح ببيع هذه الأصول بهذه الطريقة، مع وجود إمكانية لاستردادها والحصول على الأصل المادي ذاته بالطريقة التي يحددها كل مشروع يستخدم هذه التقنية.
هناك الكثير من المشاريع التي بدأت بالفعل في تطوير منصات للتجارة الإلكترونية اللا مركزية، وتسعى لجذب المستخدمين من خلال استغلال مميزات مجال العملات الرقمية مثل سرعة المعاملات وتنوع وسائل الدفع، الحفاظ على خصوصية المستخدمين، مرونة عالية في عملية استرداد الأصل وغيرها من المميزات.
أبرز هذه المشاريع هو مشروع Boson Protocol، وهو مشروع مميز نجح بالفعل في بناء منصة للتجارة الإلكترونية اللا مركزية، ويسمح لمستخدمي منصة WooCommerce بدمج متاجرهم مع تقنيات المشروع المميزة.
الخاتمة
هناك الكثير من المجالات الأخرى التي يمكنها استغلال تقنية NFT لتقديم تجربة أفضل للمستخدم، ولحل الكثير من المشاكل التي يتعرض لها بشكل يومي، لكن لا يتسع المقال لذكرها.
بشكل عام أرى أن هذه التقنية من أكثر التقنيات التي تم إساءة فهمها بشكل كبير نتيجة للاستخدام السطحي الذي تم تقديمها به إلى المستخدمين، وعدم ظهور استخدام فعلي لها على نطاق واسع حتى الآن.
بالرغم من ذلك؛ هذه التقنية كما وضّحت في هذا المقال لديها الكثير من المؤهلات التي قد تجعلها واحدة من أهم تقنيات مجال البلوكتشين، وربما يتخطى دورها لأمور أبعد من ذلك إذا حدثت طفرة في مجال ألعاب البلوكتشين والميتافيرس.
في هذه الحالة يجب أن تحرص على دراسة هذا المجال جيدًا، وأن تختار المشاريع التي قد تكون مناسبة للاستثمار وفقًا لما تقدمه هذه المشاريع من تطوير لأهم مجالات استخدام تقنية NFT التي تم ذكرها في المقال.
إلى هنا نكون قد وصلنا لنهاية هذا المقال. إن شاء الله كل المشاريع التي سيتم النشر عنها على هذه المدونة سيتم تحديثها بشكل دوري لإضافة التغيرات والتطويرات التي تحدث لتلك المشاريع، وتأثيرها على العملة الخاصّة بها.
إذا كان لديك أي استفسار عن شيء ورد في المقال يمكنك تركه في تعليق بالأسفل وسأقوم بالإجابة عليها إن شاء الله.
يمكنك أيضًا التعليق بالعملة التي تريد أن تكون موضوع التحليل القادم إن شاء الله.
تسلم ياوحش
عدنا
ما شاء الله عليك ملم بكل ما يحتاجه المقال
اشكرك علي مجهودك الرائع